السبت، 7 مايو 2011

وهم الحقيقة الخالدة

بقلم/ انكيدو (Enkidu)

ملاحظة: ليس في كلامي تبني لمذهب فكري على حساب الاخر وانا اريد ان اصل لنقطة معينة وهي ان البعض يعتقد ان معه مفاتيح الحقيقة ويرفع انفه متكبرا وينسب الى المخالف كل مثلبة ويجر منه المناقب.
الفلسفة كلمة اغريقية تعني محب الحكمة ويزعم افلاطون انه كذلك فهو لم يصل لمرحلة الحكمة فالحكمة هي للاله كما يظنون , خارج التسمية نرى الافلاطونيون يحتكرون الحقيقة ومتعصبين لرأيهم ولايطيقون المخالف (مع ملاحظة ان مصطلح فلسفة هو ليس من تأليف افلاطون وانما فيثاغور من وضعه).
السفسطة تعني الحكيم وخارج الدلالة اللغوية نجد السفسطة هي منطق تشكيكي فلا حقيقة مطلقة عندهم لهذا اصبحت عند رجال الدين من اشد الكبائر وهي بنظرهم تهمة يطلقوها على من يشكك بحقيقتهم التي يظنوها مطلقة وواحدة. 
كان السوفسطائيون ينزلون الى الشارع يتكسبون من تعليمهم الناس الحكمة ولم تكن الحكمة في ذلك الوقت حكرا على طبقة معينة من الناس ولا حكرا على فكر معين بل كان تعليم الحكمة هو مهنة مثله مثل الحدادة والنجارة ولم تكن السفسطة تحقر الفكر الاخر فهي ببساطة تؤمن بالحقيقة النسبية لا الحقيقة المطلقة الخالدة المعلقة في الهواء التي لا ينالها العوام .
على الجانب الاخر نرى افلاطون كان يكره العوام ويحتقرهم ويتعالى عليهم فقد كره الديمقراطية وكان يريد ان يحصرالحكم بيد اصحاب التفكير السليم ولم يكن يطيق الفكر الاخر فهو لم يكن يختلط بالناس ومعتكفا مع تلاميذه ينسخ لهم من مفاتيح الحقيقة مايشائون.
فقد كان يعتقد ان الحق فكرة مجردة مطلقة يصلون لها عن طريق التفكير السليم وبلغة عصرنا ليس للطبيب ولا المهندس الجدال في المسائل الفلسفية فهم جهلة في نظر هؤلاء.
فكل الطغاة في الزمان القديم والحديث من امثال هتلر وحزب البعث كانو اصحاب عقول افلاطونية فقد كان هتلر يظن ان العرق الالماني فوق كل الاعراق وماسواهم انصاف بشر ويقطع ويجزم بأن هذه هي الحقيقة الخالدة التي لم يصل اليها احد سواه فهو الحكيم وغيره الجاهل !
حزب البعث لم يكن يطيق سماع المخالف, والشيء نفسه كان يحصل في بلاد الاغريق ايام افلاطون عندما شكك البعض بآلهتم فثار "حملة الحقيقة الواحد التي لا شيء سواها" بوجههم متوعديهم بالويل والثبور فقد خالفوا الحقيقة التي يؤمنون بها , كذلك البعث كان يصب حقيقته الواحدة على رؤسنا صباح مساء , ويقطع عنق المخالف
والشيء نفسه حصل عندما شكك الحنفاء بالهة قريش فلم تطيق قريش سماع من يشكك بالهتهم وعلى هذا الاساس استغل محمد بن عبد الله تشكيك الحنفاء بآلهة قريش ليبدل حقيقة قريش المطلقة بحقيقة خالدة اشد تعقيدا فيها نظام لكل شيء وصالح لكل زمان ومكان كما زعم ويزعمون الان.
فمحمد كان مؤمنا اشد الايمان بأنه دينه الحق ومادونه الباطل فقد كان افلاطونينا اكثر تعقيدا فقد كان افلاطون يناقش في المدرسة الاكاديمية (انشأت على بستان اكاديموس ومن هذا جاءت التسمية وبقيت الى يومنا هذا) لكن محمد كان كلامه الهيا فهو من عند الله ولا جدال فيه , وان كان قد اخبرنا التاريخ بأنه كان يأخذ المشورة فهذا لا يعني شيء مقابل الكم الهائل من التشريعات الالهية.
لعل ايمان افلاطون بالحقيقة الخالدة ناتج عن كونه بارعا في الرياضيات فالنظريات الرياضية خالدة ولكنه قد سحب هذا المفهوم على كل نواحي الحياة , ولازالت كتب افلاطون ذلك الفيلسوف الكبير تقرأ الى يومنا هذا لكن ما يعيبه هو ايمانه بالحقيقة المطلقة الخالدة والمثل التي يراها عليا فدعات الحقيقة الواحدة هم كثر اليوم فنراهم يتحذلقون بأراهم محتقرين الاخر وصاعدين بتكبرهم الى السماء!
فالفكر الاحادي ينتج استباد من حيث يدري الحاكم او لايدري فاستبداد الدولة الاموية او العباسية تجاوز حتى حدود الدين ,يقال ان مغنيا غنى للامين بعض ابيات من الشعر في الغزل بالغلمان حتى قفز الامين من مجلسه طربا وقبل رأسه واعطاه مبلغ عشرين مليون درهم , وهو رقم لو تعلمون عظيم وطبعا هذا المبلغ هو من اموال الامة ومن بيت مالهم ولم يكن الامين يظن نفسه قد سرق تلك الاموال من الشعب فهو لم يسمع يوما رأيا سياسيا مخالفا فكيف يسمع وهو خليفة رسول الله وظل الله في الارض ومعه الدين الالهي الذي لايتجادل به اثنان ولايتناطح عنزان , ومن نفس الجانب لم يكن للامين ان يخاف على حكمه فهو باقي بقاء الدولة مادام يتنفس الهواء, فهذا الفكر الاحادي ولد استبداد وليس بالضرورة ان يكون قائم على الفكر الذي يؤمن به.
فالانظمة الحديثة تقوم على اساس الاختلاف فهي القدمين اللتان تسير عليهما الحضارة فهم يمرنون محامييهم على الدفاع عن فكرة حتى لو لم يكونو يؤمنون بها ليعودوهم على الجدال والسماع للاخر فالحقيقة نسبية اما اصحاب الحق المطلق فلا داعي لهذا مادامو يتوصلون الى الحق الذي لايناله سواهم , فهم لايقرأون الا مايعجبهم وان مروا على فكرة لم يستسيغهوها رفعوا انوفهم تكبرا واحتقارا وفتحوا افواههم قائلين "قاتلهم الله ما اغباهم" وشمروا عن ساعديهم باحثين في امهات الكتب عن مايؤيد كلامهم ليردو على المخالف , والباحث كما تعلمون يجب ان يكون حائرا مشككا اما هؤلاء فهم دائما عند نقطة اليقين.
يعتقد القارئ ومعه شيوخ الاسلام ان جدلهم يصب باتجاه تعدد الافكار وعدم احتكار الحق لكن للاسف هذا ليس صحيح لسببين اولهم ان اغلب جدالاتهم هي في امور تافهة لاتمس حاجة الناس والسبب الثاني انها محاكمة لاحاكم فيها فكل فريق يتبع ما يتبعه الاباء والاجداد وجدلهم كلما طال وعلت اصواتهم ازدادت الاحقاد بين الناس وقتلوا بعظهم دفاعا عن الحقيقة الموروثة وبهذا عدنا الى المربع الاول.
لعل ما ساعد هؤلاء اليوم هو التخلف الذي نعانيه فالشخص البسيط عندما يسمع الافلاطونيين وهم يرددون المصطلحات الفلسفية واسماء الكتاب يظل فاتحا فمه متعجبا حتى يكاد فكه ان يلامس الارض! فهذا المسكين يقطع بان ذلك المتحذلق قد صعد بعلمه فوق السحاب وقد امتلك مفاتيح الحقيقة الي لم يملكها ولن يملكها احد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق