الأربعاء، 17 أغسطس 2011

معجزات حسب الطلب

بقلم / إنكيدو


لماذا لم يظهر اي نبي في العصر الحديث ؟ ولماذا جعل الله محمدا خاتم الانبياء والمرسلين؟ ألم يرسل لكل أمة نبيا حسب ما يدعي في القران حين قال:
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ))
بغض النظر عن درجة المصداقية في هذا الكلام فلا ادنى دليل على ظهور نبي في افريقا مثلا او شرق اسيا او امريكا اللاتينية ، فليس مجال نقاشنا هذا ولنفترض خطأ انه صحيح ، السؤال ماهي الحكمة من ارسال نبي الى كل امه؟ اليس ليرها معجزاته؟
هنا السؤال الجوهري : هل نحن امتداد لتك الامة التي ارسل اليها محمد ورضعنا رؤية معجزة شق القمر (التي لم يجمع عليها حتى المفسرون) من امهاتنا ورسخت في عقلنا تلك الصورة؟ الا نحتاج الى نبي لكي نتساوى مع تلك الامم ويكون الاختبار واحداً ؟
سؤال لطالما اشغلني: لماذا يستغل الله عصور التخلف لتمرير المعجزات؟تابع المقال لتعرف ان المعجزات لازالت حسب الطلب وكما تريد وتشتهي وما اسهلها!

قبل كل شيء لنرى لماذا يؤمن الدينيون بالمعجزات ولماذا لم ينسلخ اغلب مدعو النبوة والمعجزات الخارقة عن اديانهم مثل الميرزا غلام ، أونبي الاعجاز العددي رشاد خليفة ، او الهندوسي الساي بابا!

الدين عند الغالبية يمثل مشروع هوية إجتماعية ، فهم يعتبرونه بمثابة الإنتماء للأب والأم والاخوة ... الخ ، لذلك يأتي التشبث بالدين والإله كإنتماء لجماعته الإنسانية . مدعو المعجزات الذين سأمر عليهم لم يخرجوا عن هوية دينهم من هذا المنطلق، فهم انفسهم لا يريدون الخروج عن تلك الهوية الاجتماعية ، وكذلك بقائهم بنفس الهوية الدينية يعطي لهم فرصة اكبر بالنجاح ، فمؤسس جماعة الاحمدية استغل قصة المهدي المنتظر والتي هي جزء من الفكر الاسلامي، وبهذا ضرب عصفورين بحجر فهو لم ينسلخ عن هويته الدينية وكانت له فرصة اكبر للنجاح في نشر دعوته لانه استغل نفس الفكر الاسلامي ، كذلك الساي بابا الذي لم يخرج عن الديانة الهندوسية وبقي داخل نفس الهوية الدينية واستغل نفس الفكر الهندوسي بنزول الاله كريشنا الى الارض بهيئة الانسان الذي هو الساي بابا! .

قبل الحديث اكثر عن مدعي النبوة اومدعي المعجزات الخارقة للطبيعة ، اريد ان امر على بعض الاسباب التي تجعل الدينيون يتوهمون بأنهم رأوا او سمعوا او مروا بمعجزة ، ودائما تلك المعجزات حسب الطلب فتأتي بنتائج مذهلة لكل دين ولكل معتقد وهي ليست خاصة بدين او عقيدة ما فهي حسب الطلب كما عنونت مقالي.

اولا:- البلاسيبو او العلاج الخداع.
العلاج الخداع يستخدمه اليوم الكثير من الاطباء ، لسبب ان اقتناع المريض بالشفاء يساهم في تعجيل شفاءه سواء عن طريق ادوية يأخذها فعلا او عن طريق تقوية دفاعات الجسم بدون استخدام اي ادوية فهم يعطون المريض احيانا اقراص من السكر ليوهموه انه يتناول دواء ، هم بالحقيقية لهم قدرة في التأثير عليه واقناعه بتأثير تلك الاقراص ، من غير ان يعرف انها مجرد سكر لا ينفع ولا يظر! .
الفكرة الاساسية في البلاسيبو هي خداع المريض بانه سيتحسن وبنفس منطق قطعة السكر التي لا تنفع ولا تظر هنالك الصلاة والدعاء بالطريقة التي يؤمن بها المريض فهي ايضا ستساهم بالتأثير عليه واقناعه بأنه سيشفى وتأثيرها هو نفس تأثير قطعة السكر!

إذن الصلاة هنا لم تؤدي عملاً اعجازياً كما يتوهم المصلون يكفي ملاحظة اختلاف نوعية الصلاة سواء كانت اسلامية او مسيحية او يهودية اوهندوسية او بوذية ، ستؤدي الى نفس النتيجة لان المهم هو ايمان المريض بها ، حينها سوف ينخدع كما ينخدع بحبة السكر!

ثانيا:- مغالطة قناص تكساس
الكثير من الناس ينخدع بسهولة في هذه المغالطة وهي ان يصوّب الشخص مسدسه تجاه حائط الحضيرة ويمشي الى ثقب الرصاصة ويرسم دائرة حمراء حول ذلك الثقب وكأنه اصاب الهدف بينما هو صوّب ثم رسم الهدف ، هذه المغالطة كتب عنها احد الزملاء في المنتدى مقتبساً من كتاب "الخرافة.. الايمان في عصر العلم".
لكن مثالي على هذه المغالطة سيكون مختلف ومأخوذ من واقع مجتمعنا وسأخذ الاعجاز العددي مثالاً ، فهم -اي دعاة الاعجاز- يجدون اي رقم يظهر غرابة في تكراره ثم بعد ذلك يجدون التبرير خذ مثلا الرقم 19 لماذا هذا الرقم؟
لاحظ هم رموا الرصاصة على جدار الحظيرة اولاً بدون هدف وبدون تحديد لماذا هذا الرقم ، و الان عليهم ان يرسموا الدائرة الحمراء، وما اسهله ، حيث قالوا ان الرقم 19 هو خزنة النار على سقر !! ، لكن تخيل لو كان الرقم غير ذلك، مثلا 8 ، ألن تكون الدائرة الحمراء هذه المرة هي الاشارة لهذه الاية: ((يحملون عرش ربك يومئذٍ ثمانية))!! ، وهكذا اي رقم بسهولة تستطيع ايجاد تبرير له!
إذن لاوجود للأعجاز فالاعجاز هو امر خارق للعادة اولا مقرون بالتحدي ثانيا ، ويجب ان يكون الهدف معلوم وأسس التحدي معلومة ، وليس ان ارسم الدائرة الحمراء التي تحدد الهدف بعد اطلاق الرصاصة!
فالنقطة الثانية من تعريف الاعجاز ساقطة لعدم وجود اسس معلومة للتحدي فلا وجود لاية تدل على التحدي العددي ، ناهيك عن الاولى التي هي منتقاة بعنياة فلاوجود لشيء خارق للعادة، ففي ببعض الاعجازات يهملون ( ال) التعريف وأخرى يأخذون به ، واحيانا يأخذون بالكلمة اذا كانت منونة واحيانا يهملوها ، واحيانا يهملون كلمات بحجج انها جائت بسياق اخر ، وفي كل مرة تبرير مختلف ، فهم اطلقوا الرصاصة ويجب رسم الدائرة الحمراء وهذا ايضا مثال صارخ على هذه المغالطة.

ليس موضوعي الولوج في الاعجاز العددي لكن فقط كمثال صارخ على هذه المغالطة ، وايضا الامثلة كثيرة خذ هذا المثال ، هل الله يريد ان يجازي المؤمن في الدنيا أم المؤمن مبتلى؟ لا وجود لاي هدف لكنهم يرسمون الهدف بعد ان تستقر الرصاصة ، فإن كان شرا قيل ان المؤمن مبتلى ، وان كان خيرا قيل ان الله يجازي المؤمنين ويستجيب دعائهم ، ودائما الرصاصة قبل رسم الهدف!

الان لنأخذ امثلة على مدعي اعجاز لنرى هل انبياء الاديان الابراهيمية وحدهم من ادعى ذلك وصدقه الناس؟
سأخذ اثنين من اشهر من ادعو ذلك ولهم من الاتباع عدد لا بأس به من الناس وسأبدأ بالساي بابا الذي له من الاتباع عشرات الملايين وانتهي بالميرزا غلام احمد.

1. الساي بابا:-
ظهر باواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين يدعي انه الرجل الاله وان كريشنا قد حل في جسده ، وله من الاتباع عشرات الملايين ولازال حتى الان قبره يزار ويتم التبرك به.
بعد وفاته ظهر اخر ادعى بأن روح الساي بابا قد حلت به واسمه الساتيا الساي بابا ، واثبت ذلك بنثره لاوراق ورده في الهواء وعند سقوطها على الارض كتبت اسم الساي بابا!
وله من المعجزات عدد كبير يرويها اتباعه ، منها اختفائه امام الناظرين ، تحويل الماء الى حليب والكثير جدا لا داعي لذكرها.
لكن اين الدليل؟
لا دليل تماما كمعجزات الاديان الابراهيمية ، فأتباعه يريدون الايمان به فهو اصلا لم يخرج عن الدين الهندوسي بل استغل ما فيه حول تجسد الاله الهندوسي به.

2. الميرزا غلام احمد القادياني:-
يعتبر المسلمين جماعة الاحمدية خارجون عن الاسلام وما الميرزا غلام الا منشق عن الاسلام "كافر" في نظرهم لذلك جماعة الاحمدية محظورة في باكتسان منذ عام 1974 وهناك ايضا دععوات لحضرها في اندونسيا بعد تناميها ، وهم يتهموهم بانهم صنيعة الانكليز لثني الناس عن الجهاد ضدهم في الهند على اعتبار ان نشوء تلك الحركة في اقليم البنجاب في الهند وهي مسقط رأس غلام.

لنرى امثلة من معجزاته المزعومة ، التي تتشابه من حيث الخداع والكلام من غير دليل مع معجزات المسلمين ،وبإمكانكم البحث في مواقع المسلمين لتروا المهزلة الكبرى ، فهم ينفون معجزاته بنفس الطريقة التي ينفي بها الملحدون بمعجزات نبيهم وقرآنهم ، والاحمدية يقرونها بنفس الطريقة التي يقر المسلمون بها معجزاتهم!

امثلة من معجزاته:-
هنالك الكثير جداً من المعجزات التي يتحدث عنها الاحمدية ، لكني سأكتفي بالمعجزة التي تؤيد دعوته.

"إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض، ينخسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض."
(سنن الدارقطني، كتاب العيدين، باب صفة صلاة الخسوف والكسوف وهيئتهما)

هذا الحديث الموجود في سنن الدارقطاني قالت عنه جماعة الاحمدية :

((وبناء على حديث رسول الله صلى الله علبه وسلم فإن خسوف القمر سوف يقع في أول ليلة من ليالي الخسوف، أي في الليلة الثالثة عشرة من الشهر العربي، وكسوف الشمس يقع في منتصف أيام الكسوف، أي في اليوم الثامن والعشرين من الشهر العربي، وأن كلا من الخسوف والكسوف سوف يجتمعان في شهر رمضان، وأن وقوعهما في الأيام المحددة وفي الشهر المحدد سوف يحدث بعد أن يكون الإمام المهدي قد ظهر، وأعلن عن نفسه وعن دعوته، ثم كذبه الناس، فتقع تلك الظواهر الفلكية، تصديقا وتأييدًا لـه، وأنه سيستدل بهما على صدقه.)) 

هذا ما قالته الاحمدية عن الحديث في موقعها الرسمي.

حين ادعة غلام انه المهدي المنتظر كذبه البعض وصدقه اخر ، ومن كذبه طالبه بتحقق ما ورد في الحديث ، ودعى غلام ربه ان يتحقق ذلك ، وفي مساء يوم الخميس الموافق 21 مارس (آذار) عام 1894 الميلادي، وهو مساء الليلة الثالثة عشرة من رمضان عام 1311 الهجري، وقع خسوف القمر ، وبعد ذلك قال غلام للناس انظروا إلى الشمس ، فإنها ستنكسف أيضا في اليوم الثامن والعشرين من هذا الشهر ويقولون انه وقع كسوف الشمس في اليوم المحدد وهو الموافق 6 نيسان (أبريل) عام 1894. وبهذا جائت المعجزة!

إذن لماذا لا يؤمن المسلمون بدعوة غلام ويردوها كما نرد معجزاتهم الوهمية ، ألا يؤمنون بهذا الحديث!

الأن : أليست المعجزات حسب الطلب؟.
 



رابط الموضوع في شبكة الطبيعيين الوجوديين

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الوثنية الساميّة، وتقويض العروبية الإسلامية


بقلم/ الصديق  سلاير وهو زميل في منتدى طبيعي
كثيرة هي الشعوب التي كانت لوقت مضى ليس بالبعيد تعتبر مجرد شعوب متخلّفة ونامية، وخارج السياق الحضاري، وقد تمكنت من النهوض مؤخراً وباتت في عداد الشعوب الصناعية الكبرى، لنأخذ مثلاً النمور الآسيوية والصين، البرازيل، بل كذلك اسبانيا.. لكن إن كان هناك منطقة في العالم تبدو وكأنها فعلاً غير ممكنة التطوير، فهي بلا شك ما يسمى بالعالم الإسلامي وأفريقيا، وهناك السؤال الأساسي: ما الذي حقاً يسبب هذه الأزمة المستدامة، وما هي المعيقات البنيوية الداخلية للتطوير والنهوض؟

أعتقد بأنه هناك محورين أساسين لا يمكن لنا النهوض دونهما، ويتبعهما بالنسبة للشرق الأوسط تحديداً محور ثالث، وهم:

أولاً: الإسلام:
فإن كان هناك خطيئة تاريخية حصلت في هذه المنطقة فهي لعنة المحمدين الأعراب تلك، ومن الغريب كيف استكانت شعوب لها تاريخ حضاري ضاربٌ في القدم إلى تسيّد تلك الحضارة الرعوية البدائية بكل تأثيراتها السلبية. ومعروف أن الإسلام يعادي كل ما ينتمي للفن والجماليات، ويحرم الموسيقى والرسم والنحت، ولم يعرف أي من فنون المسرح والتمثيل، بل إن الكتابة نفسها لم تكن معروفة بشكل واسع إلا بعد تداخل الإسلام مع حضارات الشرق القديمة، كذلك ومن أسطورة قابيل وهابيل، نجد أن الأول الملعون والمرفوض إلهياً هو المزارع، مؤسس الحضارات الأولى، حيث إن قربانه كان زرعاً، أما هابيل المبارك فهو الرعوي !! وهذا يؤكد على حقد العرب المسلمين الأوائل على الحضارات الشمسية، بل هم اعتبروا مجرد العمل في الأرض بالزراعة انحطاطاً، وجعلوا وسيلة العيش المفضلة الحرب والغزو، لهذا نجد التأكيد على مفهوم الجهاد في الإسلام، ولا نجد أمراً مماثلاً في المسيحية التي نشأت وترعرعت في أحضان الحضارات الزراعية والمدنية. كذلك الإله الإسلامي مماثل لشيوخ القبائل البدوية من حيث أنه قاسي ومستبد، ويطلب إما ولاءً مطلقاً، أو هناك عقوبة الموت. وهو سيد، ومؤمنوه عبيد يرتجون رضاه بشتى الوسائل، وهو ماكر ومتجبر وشديد المزاجية. كذلك في المسيحية تجد تصوراً مغاير بالتمام تقريباً، حيث الإله هو الآب العطوف الذي يريد خلاص أبناه، وهو العطوف الرحيم الذي ينبذ العنف والحرب.

إن التأثير الإسلامي في المنطقة كان بالغ السوء بلا شك، ولا نجد أن أحدث أي قفزة حضارية معتبرة في المنطقة وعلى مدى أربعة عشر قرن تقريباً، والمناطق التي ازدهرت إبان العصور الوسطى كانت ليس بسبب الإسلام العروبي، بقدر ما ابتعدت عنه، الأندلس أو اسبانيا مثلاً والتي كانت الموطن الذي يرغب كل متحرر وعالم ومثقف بالهجرة إليه، ومن كافة الطوائف والأعراق، سواء هرباً من الإسلام المتزمت في الشرق، أو المسيحية المتزمتة في أوربا، (هاجر إلى الأندلس جالية يهودية أوربية كبيرة، وساهمت في صناعة النهضة هناك).

واليوم بات واضحاً أكثر من أي وقتٍ مضى بأن الحضارة والإسلام ضدان لا يجتمعان، والمرحلة الأولى في القضاء على التأثير الإسلامي السلبي يجب أن يتمثل بشطب التشريع الإسلامي التقليدي ومحاولته للتدخل في كافة تفاصيل الحياة الاجتماعية والفردية، وسعيه لتجميدها في إطاره الرعوي البدائي مقوضاً أي دينامية تطورية، ثم تالياً يجب القضاء على العقيدة الإسلامية نفسها، ومفهوم الانتماء الديني، ولو كمجرد انتماء حضاري.

ثانياً: العروبة:
في أوربا إبان عصر النهضة، تم اللجوء إلى ما وراء المسيحية نحو الوثنية اليونانية التعددية، وذلك تزامن مع تزايد الحس القومي على حساب الانتماء الديني الأوحد المفروض من خلال البابوية، وكثرت الترجمات إلى اللغات المحلية، وكُتب بها لاحقاً. تركيا النهضة لجأت لأمر مشابه عندما عادت للأصول القومية التركية القديمة، وحاربت الإسلام. أما في الشرق الأوسط فإن النهضة لم تستطع بالنهاية العودة سوى لحدود الهوية العربية، وهذه الهوية هي التي صاغت التجربة الفاشلة للنهضة في القرن العشرين، والتي مكنت عودة التيار الإسلامي في أواخره.

ويجب التأكيد هنا على أن العروبة ذاتها هي واحدة من نتاجات الإسلام، ولولا الأخير لبقيت شعوب وادي الرافدين بابلية وآشورية بتأثيرات فارسية، ولبقيت شعوب سوريا آرامية وفينيقية بتأثيرات هلنستية، ولبقيت مصر قبطية بتأثير روماني. وحتى اللغات كانت ستكون اليوم مختلفة ومغايرة عما هي عليه. فالعربية الفصحى القديمة ما تزال قادرة حتى اليوم على احتكار إنتاج المعنى الثقافي والعلمي، وذلك مرده لسلطتها الدينية من خلال الكتاب المقدس الإسلامي. وعلى نفس السياق الأوربي فأن العودة للروح الحضاري الوثنية القديمة بات يمثل حاجة ملحة لخلاص شعوب المنطقة من السجن التوحيدي العروبي الرعوي، خصوصاً إن أخذنا بالحسبان أن تلك الحضارات القديمة تمثل أوجاً لم تصل إليه تلك الدول لاحقاً من خلال الإسلام. حيث إن الأخير تنقل ما بين العرب ومن ثم السلاجقة والمماليك والترك، والشعوب الثلاثة الأخيرة تتشارك مع العرب بصفة أساسية وهي "البداوة". أما الروح الحضارية القديمة لبابل وآشور وآرام وفينيقا والإمبراطورية الفرعونية، حضارات الشمس القديمة، فقد كانت الخاسر الأول في كل التاريخ العروبي الإسلامي. وبإمكاننا القول إن الخلاص من العروبة يعني الخلاص من الإسلام، والعكس صحيح كذلك. ولا أعتقد بأنه يمكن الفصل ما بين الاثنين، وذلك ما أثبتته تجربة العروبيين الفاشلة والتي انتهت بإسلام متطرف ومتخلّف ربما أكثر من أي وقتٍ مضى !!

ثالثاً: إسرائيل والإشراقة الساميّة المعاصرة:
الشعب اليهودي ذو أرومة لغوية ساميّة تعود للشرق الأوسط، ولا أعتقد بأنه بالإمكان إنكار أي أصول تاريخية حضارية له تعود لهذه المنطقة، رغم بعض الخلافات مؤخراً في الأبحاث التاريخية والتنقيبات والتي بعضها يرد اليهود لليمن وشبه جزيرة العرب، وليس فلسطين. وآخرون يعتقدون بأنهم كانوا مجرد شعب هامشي، يعتاش من الرعي في الأجزاء الشرقية من فلسطين. عموماً لا خلاف حول الأصل التاريخي للسامي لليهود.

الشعب الإسرائيلي كان صاحب تجربة خاصة في التاريخ، تتمثل في اعتماده الكبير على التجارة وما يرتبط بها، لا على الفكر المجرّد أو الحرب، وهذا غالباً مرده التأثير الفينيقي، ومن جهة أخرى استطاع هذا الشعب الحفاظ على هويته القومية طيلة ما لا يقل عن خمسة عشر قرناً من الهجرة والتنقل. وبسبب الاضطهاد المرير الذي عانوه في أوربا والمحارق النازية، ساهمت عدة دول متطورة بمساعدتهم بإقامة وطن قومي في فلسطين. بدأ الاستيطان بشكل سلمي ومن خلال الشراء الاختياري. لكن ثورة المحليين عليهم، ومن ثم حرب التحرير العربية المفترضة في عام 48 أدت لرد فعل عسكري إسرائيلي موسع استمر حتى اليوم.

إن الشئ المميز في إسرائيل، أنها استطاعت أن تؤسس نفسها كواحدة من أكثر دول العالم تطوراً، وبات بإمكانها مثلاً أن تبيع تقنيات عسكرية معينة حتى لدولة مثل أمريكا، وجامعاتها تأخذ تصنيفاً عالمياً مرموقاً. وهذا كله رغم حالة الحرب الدائمة مع الدول المحيطة، سواء التي تعتبر نفسها إسلامية أو تلك العروبية. وهذا يؤكد على الوعي الحضاري الممتاز لدى الشعب الإسرائيلي، وإرادته وتصميمه الهائل على النجاح. ولا شك أنه شعبٌ يستحق الإعجاب.

وهنا المحور الأساسي الثالث، حيث إن دول المنطقة دخلت مع هذه الدولة في حروب استنزاف طويلة، وقد كانت قضية التحرير والمقاومة مطية ومبرر كل الزعامات السياسية الفاسدة، والتي لم تجد أي غطاء إيديولوجي أفيوني لخلق الوحدة الداخلية حولها سوى قضية فلسطين المزعومة.

ونحن كشعوب ساميّة شرق أوسطية كان الأجدر بنا، وهذا ما يجب أن نسعى إليه في المستقبل، أن نعقد مع الشعب الإسرائيلي الشقيق أمتن أواصر الصداقة، ونقيم التحالفات، ونؤسس لحالة حضارية وثقافية ونهضوية مشتركة، أو بدقة أكثر لنستفيد منهم في هذا الشأن، لأنه من غير المتوقع أن يستفيدوا بالشئ الكثير منا.

ويجب صد الإرهاب العروبي والإسلامي ضد إسرائيل في أقرب وقت، وعدم التهاون مع أي خطاب عنصري ينطلق من رعوية متجذّرة. وحسناً فعلت بمصر أخيراً بوقوفها ضد حماس بقوة. ولنجعل الشمس الساميّة تشرق من جديد على العالم... أو على الأقل لنجعل في دولنا عالماً يستحق أن يعاش.
رابط الموضوع في شبكة الطبيعيين الوجديين