الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الوثنية الساميّة، وتقويض العروبية الإسلامية


بقلم/ الصديق  سلاير وهو زميل في منتدى طبيعي
كثيرة هي الشعوب التي كانت لوقت مضى ليس بالبعيد تعتبر مجرد شعوب متخلّفة ونامية، وخارج السياق الحضاري، وقد تمكنت من النهوض مؤخراً وباتت في عداد الشعوب الصناعية الكبرى، لنأخذ مثلاً النمور الآسيوية والصين، البرازيل، بل كذلك اسبانيا.. لكن إن كان هناك منطقة في العالم تبدو وكأنها فعلاً غير ممكنة التطوير، فهي بلا شك ما يسمى بالعالم الإسلامي وأفريقيا، وهناك السؤال الأساسي: ما الذي حقاً يسبب هذه الأزمة المستدامة، وما هي المعيقات البنيوية الداخلية للتطوير والنهوض؟

أعتقد بأنه هناك محورين أساسين لا يمكن لنا النهوض دونهما، ويتبعهما بالنسبة للشرق الأوسط تحديداً محور ثالث، وهم:

أولاً: الإسلام:
فإن كان هناك خطيئة تاريخية حصلت في هذه المنطقة فهي لعنة المحمدين الأعراب تلك، ومن الغريب كيف استكانت شعوب لها تاريخ حضاري ضاربٌ في القدم إلى تسيّد تلك الحضارة الرعوية البدائية بكل تأثيراتها السلبية. ومعروف أن الإسلام يعادي كل ما ينتمي للفن والجماليات، ويحرم الموسيقى والرسم والنحت، ولم يعرف أي من فنون المسرح والتمثيل، بل إن الكتابة نفسها لم تكن معروفة بشكل واسع إلا بعد تداخل الإسلام مع حضارات الشرق القديمة، كذلك ومن أسطورة قابيل وهابيل، نجد أن الأول الملعون والمرفوض إلهياً هو المزارع، مؤسس الحضارات الأولى، حيث إن قربانه كان زرعاً، أما هابيل المبارك فهو الرعوي !! وهذا يؤكد على حقد العرب المسلمين الأوائل على الحضارات الشمسية، بل هم اعتبروا مجرد العمل في الأرض بالزراعة انحطاطاً، وجعلوا وسيلة العيش المفضلة الحرب والغزو، لهذا نجد التأكيد على مفهوم الجهاد في الإسلام، ولا نجد أمراً مماثلاً في المسيحية التي نشأت وترعرعت في أحضان الحضارات الزراعية والمدنية. كذلك الإله الإسلامي مماثل لشيوخ القبائل البدوية من حيث أنه قاسي ومستبد، ويطلب إما ولاءً مطلقاً، أو هناك عقوبة الموت. وهو سيد، ومؤمنوه عبيد يرتجون رضاه بشتى الوسائل، وهو ماكر ومتجبر وشديد المزاجية. كذلك في المسيحية تجد تصوراً مغاير بالتمام تقريباً، حيث الإله هو الآب العطوف الذي يريد خلاص أبناه، وهو العطوف الرحيم الذي ينبذ العنف والحرب.

إن التأثير الإسلامي في المنطقة كان بالغ السوء بلا شك، ولا نجد أن أحدث أي قفزة حضارية معتبرة في المنطقة وعلى مدى أربعة عشر قرن تقريباً، والمناطق التي ازدهرت إبان العصور الوسطى كانت ليس بسبب الإسلام العروبي، بقدر ما ابتعدت عنه، الأندلس أو اسبانيا مثلاً والتي كانت الموطن الذي يرغب كل متحرر وعالم ومثقف بالهجرة إليه، ومن كافة الطوائف والأعراق، سواء هرباً من الإسلام المتزمت في الشرق، أو المسيحية المتزمتة في أوربا، (هاجر إلى الأندلس جالية يهودية أوربية كبيرة، وساهمت في صناعة النهضة هناك).

واليوم بات واضحاً أكثر من أي وقتٍ مضى بأن الحضارة والإسلام ضدان لا يجتمعان، والمرحلة الأولى في القضاء على التأثير الإسلامي السلبي يجب أن يتمثل بشطب التشريع الإسلامي التقليدي ومحاولته للتدخل في كافة تفاصيل الحياة الاجتماعية والفردية، وسعيه لتجميدها في إطاره الرعوي البدائي مقوضاً أي دينامية تطورية، ثم تالياً يجب القضاء على العقيدة الإسلامية نفسها، ومفهوم الانتماء الديني، ولو كمجرد انتماء حضاري.

ثانياً: العروبة:
في أوربا إبان عصر النهضة، تم اللجوء إلى ما وراء المسيحية نحو الوثنية اليونانية التعددية، وذلك تزامن مع تزايد الحس القومي على حساب الانتماء الديني الأوحد المفروض من خلال البابوية، وكثرت الترجمات إلى اللغات المحلية، وكُتب بها لاحقاً. تركيا النهضة لجأت لأمر مشابه عندما عادت للأصول القومية التركية القديمة، وحاربت الإسلام. أما في الشرق الأوسط فإن النهضة لم تستطع بالنهاية العودة سوى لحدود الهوية العربية، وهذه الهوية هي التي صاغت التجربة الفاشلة للنهضة في القرن العشرين، والتي مكنت عودة التيار الإسلامي في أواخره.

ويجب التأكيد هنا على أن العروبة ذاتها هي واحدة من نتاجات الإسلام، ولولا الأخير لبقيت شعوب وادي الرافدين بابلية وآشورية بتأثيرات فارسية، ولبقيت شعوب سوريا آرامية وفينيقية بتأثيرات هلنستية، ولبقيت مصر قبطية بتأثير روماني. وحتى اللغات كانت ستكون اليوم مختلفة ومغايرة عما هي عليه. فالعربية الفصحى القديمة ما تزال قادرة حتى اليوم على احتكار إنتاج المعنى الثقافي والعلمي، وذلك مرده لسلطتها الدينية من خلال الكتاب المقدس الإسلامي. وعلى نفس السياق الأوربي فأن العودة للروح الحضاري الوثنية القديمة بات يمثل حاجة ملحة لخلاص شعوب المنطقة من السجن التوحيدي العروبي الرعوي، خصوصاً إن أخذنا بالحسبان أن تلك الحضارات القديمة تمثل أوجاً لم تصل إليه تلك الدول لاحقاً من خلال الإسلام. حيث إن الأخير تنقل ما بين العرب ومن ثم السلاجقة والمماليك والترك، والشعوب الثلاثة الأخيرة تتشارك مع العرب بصفة أساسية وهي "البداوة". أما الروح الحضارية القديمة لبابل وآشور وآرام وفينيقا والإمبراطورية الفرعونية، حضارات الشمس القديمة، فقد كانت الخاسر الأول في كل التاريخ العروبي الإسلامي. وبإمكاننا القول إن الخلاص من العروبة يعني الخلاص من الإسلام، والعكس صحيح كذلك. ولا أعتقد بأنه يمكن الفصل ما بين الاثنين، وذلك ما أثبتته تجربة العروبيين الفاشلة والتي انتهت بإسلام متطرف ومتخلّف ربما أكثر من أي وقتٍ مضى !!

ثالثاً: إسرائيل والإشراقة الساميّة المعاصرة:
الشعب اليهودي ذو أرومة لغوية ساميّة تعود للشرق الأوسط، ولا أعتقد بأنه بالإمكان إنكار أي أصول تاريخية حضارية له تعود لهذه المنطقة، رغم بعض الخلافات مؤخراً في الأبحاث التاريخية والتنقيبات والتي بعضها يرد اليهود لليمن وشبه جزيرة العرب، وليس فلسطين. وآخرون يعتقدون بأنهم كانوا مجرد شعب هامشي، يعتاش من الرعي في الأجزاء الشرقية من فلسطين. عموماً لا خلاف حول الأصل التاريخي للسامي لليهود.

الشعب الإسرائيلي كان صاحب تجربة خاصة في التاريخ، تتمثل في اعتماده الكبير على التجارة وما يرتبط بها، لا على الفكر المجرّد أو الحرب، وهذا غالباً مرده التأثير الفينيقي، ومن جهة أخرى استطاع هذا الشعب الحفاظ على هويته القومية طيلة ما لا يقل عن خمسة عشر قرناً من الهجرة والتنقل. وبسبب الاضطهاد المرير الذي عانوه في أوربا والمحارق النازية، ساهمت عدة دول متطورة بمساعدتهم بإقامة وطن قومي في فلسطين. بدأ الاستيطان بشكل سلمي ومن خلال الشراء الاختياري. لكن ثورة المحليين عليهم، ومن ثم حرب التحرير العربية المفترضة في عام 48 أدت لرد فعل عسكري إسرائيلي موسع استمر حتى اليوم.

إن الشئ المميز في إسرائيل، أنها استطاعت أن تؤسس نفسها كواحدة من أكثر دول العالم تطوراً، وبات بإمكانها مثلاً أن تبيع تقنيات عسكرية معينة حتى لدولة مثل أمريكا، وجامعاتها تأخذ تصنيفاً عالمياً مرموقاً. وهذا كله رغم حالة الحرب الدائمة مع الدول المحيطة، سواء التي تعتبر نفسها إسلامية أو تلك العروبية. وهذا يؤكد على الوعي الحضاري الممتاز لدى الشعب الإسرائيلي، وإرادته وتصميمه الهائل على النجاح. ولا شك أنه شعبٌ يستحق الإعجاب.

وهنا المحور الأساسي الثالث، حيث إن دول المنطقة دخلت مع هذه الدولة في حروب استنزاف طويلة، وقد كانت قضية التحرير والمقاومة مطية ومبرر كل الزعامات السياسية الفاسدة، والتي لم تجد أي غطاء إيديولوجي أفيوني لخلق الوحدة الداخلية حولها سوى قضية فلسطين المزعومة.

ونحن كشعوب ساميّة شرق أوسطية كان الأجدر بنا، وهذا ما يجب أن نسعى إليه في المستقبل، أن نعقد مع الشعب الإسرائيلي الشقيق أمتن أواصر الصداقة، ونقيم التحالفات، ونؤسس لحالة حضارية وثقافية ونهضوية مشتركة، أو بدقة أكثر لنستفيد منهم في هذا الشأن، لأنه من غير المتوقع أن يستفيدوا بالشئ الكثير منا.

ويجب صد الإرهاب العروبي والإسلامي ضد إسرائيل في أقرب وقت، وعدم التهاون مع أي خطاب عنصري ينطلق من رعوية متجذّرة. وحسناً فعلت بمصر أخيراً بوقوفها ضد حماس بقوة. ولنجعل الشمس الساميّة تشرق من جديد على العالم... أو على الأقل لنجعل في دولنا عالماً يستحق أن يعاش.
رابط الموضوع في شبكة الطبيعيين الوجديين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق