الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

التجديد الديني المعاصر ورسالة الحوزة

ملاحظة: بعض الهوامش غير مرتبة شكل صحيح ، واعتذر لذلك.

أحمد واعظي([1])
ترجمة احمد القبانجي

برزت في القرن الأخير مصطلحات وكلمات في أدبياتنا الدينية من قبيل: «إحياءالفكر الديني»، «تجديد الدين»، «البروتستانتية الإسلامية» «انطباق الدين مع مقتضيات الزمان»، «الإسلام العملي»، «قراءة جديدة للدين»، «إصلاح المعرفة الدينية» وأمثال ذلك من المفردات التي تتصل بهذا الموضوع، إنّ الصياغات الجديدة لهذه المصطلحات تحكي عن وجود مناهج جديدة ورؤى مختلفة للدين بين الكتّاب والمفكّرين الإسلاميين والمثقفين المتدينين، وهكذا تشكلت طروحات ورؤى جديدة في حركة المعرفة الدينية في واقع المجتمع.
إنّ هذه الاتجاهات الجديدة التي نعبر عنها بـ «التجديد الديني» لم تتحرك في تاريخها القصير بمسار واحد بل ظهرت تجلياتها بأشكال مختلفة، فبعض المتجددين سلكوا طريقة العمل الاجتماعي والسياسي وتحركوا على مستوى ايقاظ المسلمين وتحريك المجتمعات الساكنة والخامدة([2]).
وبعض آخر تحرك على مستوى ابراز الوجهة الجذابة للإسلام للشباب الجامعيين وكانوا يملكون رؤية اجتماعية للدين، وقد سعى هؤلاء من موقع تحقيق التناسب والانسجام بين التعاليم الدينية مع مكتسبات العلم البشري وإثبات عدم التعارض بينهما.
إنّ دراسة مختلف أنحاء الاتجاهات للتجديد الديني المعاصر في العالم الإسلامي يمكنه أن يساهم بشكل جاد في معرفة الحالة الثقافية والدينية التي يعيشها المسلمون في هذا العالم، في هذه المقالة المختصرة أود البحث بشكل إجمالي عن الاتجاهات الجديدة في دائرة الفكر الديني الجديد بدلاً من الحديث عن الأشكال التاريخية لحركة التجديد الديني والعمل على إيجاد طريق حل مختلف.
إنّ تيارات التجدد المختلفة تشترك في هذه الخصوصية وهي وجوب اصلاح الثقافة الدينية الموجودة والفهم التقليدي للدين، لأنّ هذا الفهم للدين زاخر بعناصر الخلل والقصور ونقاط الضعف، وما يميز هذه الفرق عن بعضها هو طريق الحل الذي تراه كل فرقة لهذه المشكلة، فبعض هذه التيارات يؤكد على مسألة «إصلاح الدين وتهذيبه» من الرسوبات الثقافية والخرافية.
وبعض آخر يؤكد ضرورة العودة إلى الأصل الأصيل والتعرف على روح الإسلام الحقيقية([3]).
وبعض تحرك في هذا الخط من موقع صياغة تفسير علمي للدين يتوافق مع معطيات العلوم التجريبية.
وذهب البعض مثل «إقبال اللاهوري» بأنّ الحل يكمن في الرجوع إلى «الثقافة المحلية» والاعتماد عليها وامتلاك فهم صحيح عن مجتمعاتنا الإسلامية وثقافتنا المحلية بعيداً عن الثقافة المستوردة.
إنّ اتجاه الجديد الذي أريد الحديث عنها يختلف بشكل وآخر عن رؤية هذه التيارات، حيث أطرح هنا رؤية جديدة لماهية النص الديني وكيفية فهمه، وهذه الرؤية للتجديد الديني تدعو لرفض القراءة التقليدية للنصوص الدينية السائدة في أجواء الحوزات العلمية وترى أنّ هذه القراءة للدين تبتني على أصول ومبان ضعيفة وقابلة للنقد والمناقشة.
في نظر هؤلاء أنّ القراءة التقليدية للدين تتضمن أخطاء معرفية ومنهجية، وبعض هذه الأخطاء يرتبط بعدم فهم هؤلاء لماهية النص الديني، ويرتبط البعض الآخر بكيفية ومنهجية فهم هذه النصوص، والفهم الصحيح لهذا المنهج في فضاء التجديد الديني يعتمد على دراسة الموارد التالية:
أ ) معرفة إجمالية بالقراءة التقليدية للدين وخصوصياتها المهمّة.
ب ) الأدلة على عدم كفاية القراءة التقليدية للدين في نظر هؤلاء المتجددين.
ج ) التحقيق في أهم مدعيات هذه الطائفة وذكر موارد عدم توافقهم مع القراءة التقليدية للدين.
د ) دارسة الجذور الفكرية لهذا الاتجاه التجديدي في الفكر الغربي «الهرمنيوطيقا».

القراءة التقليدية للدين:
إنّ الفهم السائد والمتعارف للمتون الدينية الموجود في أدبيات المعاصرين يسمى بـ «القراءة التقليدية للدين» وتقوم هذه القراءة للدين على الاُسس التالية:
1 ـ إنّ النصوص الدينية تتضمن خطابات الإلهية، وكل نص ديني يتضمن معنى نهائي يحكي المراد الجدي لصاحبه، وهذا المراد الجدي يمثّل أمراً عينياً وواقعياً وعلى المفسّر أن يتحرك على مستوى معرفة هذا المراد وفهمه، إذن الهدف من تفسير النصوص الدينية هو معرفة المعنى المراد والمقصود للمتكلّم.
2 ـ إنّ الوصول إلى الهدف من تفسير النص الديني يتمّ من خلال سلوك المنهج المتداول والعقلائي في فهم النصوص «أعم من النصوص التاريخية والأدبية والعلمية والدينية والفلسفية» وعلى هذا الأساس فالمعنى النهائي للنص يمكن الحصول عليه من خلال دلالة ألفاظ هذا النص والذي يعبر عنه بـ «ظهور المتن».
3 ـ بالرغم من أننا لا يمكننا أن ندعي أنّ ما يفهمه المفسّر من النص هو المعنى النهائي للنص قطعاً ويقيناً ولكن في ذات الوقت بإمكاننا انكار عينية واعتبار تفسير النص، لأننا نتحرك في تفسير النصوص الدينية لتحصيل فهم يكون حجّة ومعتبراً بالنسبة لنا، والتفسير الحجّة والمعتبر هو ما يتوافق مع الأصول والقواعد الحاكمة للمنهج العقلاني في فهم النصوص، إذن فالتفسير العيني والمعتبر لا يعني التفسير المطابق للواقع، لأنّ احراز هذه المطابقة محال، ولكن التفسير المنهجي والمنضبط بالأصول المذكورة في منهجية وعرف علماء الدين هو المقبول.
4 ـ إنّ الفاصلة الزمنية بين المفسّر أو قاريء النص وبين زمان ظهور النص الديني لا تمنع من إمكان حصول المفسر على المقصود النهائي للنص، لأنّ التغييرات الواقعة في فضاء اللغة بمرور الزمان ليست من الشدّة بحيث يواجه القارىء مشكلة جدية في فهم النص، وبتعبير آخر إنّ الفاصلة الزمنية واحتمال حدوث تغييرات في اللغة ومداليل الألفاظ ليست بمستوى خلق مفردات أجنبية تحول دون إمكانية الفهم العيني للنص.
5 ـ سيطرة النصوص الدينية على الحياة الفردية والاجتماعية للناس لا يختص بعصر نزول الوحي وظهور النصوص الدينية، بل إنّ الناس في الأعصار الأخرى أيضاً يجب أن يكونوا تابعين للمعرفة الدينية ويعملون على تطبيق شؤونهم الفردية والاجتماعية المختلفة مع التعاليم الدينية، وتغيير الحقائق الاجتماعية وظهور الروابط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة لا يوجب قراءة النصوص قراءة جديدة والحصول على فهم جديد من هذه النصوص، بل يجب السعي لفهم الخطاب الديني بعيداً عن الظروف الموضوعية الموجودة في الواقع الخارجي، وبالتالي علينا العمل على ترتيب وتنظيم هذه الواقعيات والعلاقات الاجتماعية على أساس مضمون الخطاب الديني.
وبعبارة أخرى ينبغي حفظ هيمنة النصوص الدينية وسيطرتها على العلاقات والروابط الخارجية بحيث تكون هذه الروابط والعلاقات منفعلة للخطاب الديني، وتتحرك على مستوى تحقيق مضمون هذا الخطاب لا أنّ يسيطر ويهيمن الواقع الخارجي والعلاقات الاجتماعية على النصوص الدينية وبالتالي تكون قراءتنا منفعلة من هذا الجو، فالنصوص الدينية تقبل دائماً تفاسير متعددة بالتناسب مع المتغيرات الخارجية.
6 ـ إنّ المعرفة الدينية يجب أن تكون بعيدة عن هيمنة المسبوقات الفكرية والروافد الثقافية في ذهنية المؤمن، فالتفسير بالرأي والسماح للمسبوقات الفكرية و الثقافية بأن تفرض نفسها على فهم النص الديني غير مقبول ولا مبرر له بل يعدّ انحرافاً عن سيرة العقلاء في فهم النصوص، إنّ المعرفة الخارجية إنّما تتمكن من التأثير في فهم النص إذا كانت قطعية ويقينية.

إشكاليات القراءة التقليدية:
وقد أثار المتجددون إشكالات وعلامات الاستفهام على القراءة التقليدية للدين، فهناك العديد من الكتّاب والمفكّرين في العالم العربي طرحوا نقوداً على القراءة التقليدية، ومع وجود عناصر مشتركة في هذه الكتابات الحديثة فإنّها تشير إلى نقاط ضعف متعددة ومتنوعة دون أن يكون هناك توافق في النظر بينها.
وبعبارة أخرى أنّها في ذات الوقت الذي تهتم فيه بحفظ أصل التوجه لماهية النص الديني وطريقة فهمه فإنّ كل واحد منها ينظر لزاوية معينة من هذه المسألة وفي بعض الموارد يتمّ ابراز نقاط ضعف مهمّة.
إنّ القراءة النقدية لهؤلاء المتجددين للقراءة التقليدية للدين تتوائم في بعض الموارد مع تحليل خاص عن ماهية القراءة التقليدية وهذه الدراسات ربّما لا تكون مقبولة لدى أتباع المنهج السائد في فهم النصوص الدينية.
وبما أننا ننطلق في هذه المقالة من موقع التوصيف والإخبار فقط لا من موقع التقييم لهذه الدراسات والآراء، فلذلك نكتفي بذكر أهم الأدلة التي أوردها المتجددون لإثبات عدم صلاحية القراءة التقليدية لفهم النصوص الدينية ولسنا في مقام الاجابة عن هذه الأدلة:
1 ـ إنّ القراءة التقليدية لا تبحث في ماهية النص الديني، وما هو مذكور في تاريخ الفكر الإسلامي بعنوان علوم القرآن والحديث هو في الواقع حركة من أجل حفظ البنية الفكرية للإسلام وحفظ الحضارة الإسلامية، مثلاً لم يبحث العلماء في العلوم القرآنية مسألة منبع النص الديني والعناصر المقومة له، ففي القراءة التقليدية للنص الديني يعتبر القرآن أمر قدسياً وروحانياً يجب على المؤمنين فهمه فقط، وحينئذ لا يمكن التوغل لفهم النص من موقع التحقيق العلمي([4]).
2 ـ إنّ القراءة التقليدية تغفل عن هذه الحقيقة هي أنّ النص الديني منتوج ثقافي، أي أنّه يملك أصلاً وجذوراً في اللغة، وكونه يملك منشأ إلهياً لا يمنع أن يتشكل في إطار الظروف الموضوعية الخاصة وفي فضاء الثقافة الخاصة لذلك المجتمع، إنّ النص الديني لا ينفصل عن واقع الثقافة في ذلك العصر، واللغة التي تعتبر تجسيداً حيّاً للثقافة وليست ظرفاً فارغاً، ومن هذه الجهة فإنّ اختيار لغة خاصة لغرض ابلاغ الوحي هو في الحقيقة اختيار لثقافة خاصة، وبما أنّ اللغة لقوم من الأقوام تعتبر أداة فهم هؤلاء القوم عن العالم، إذن فاللغة تولد ثقافة خاصة في باطنها، وهذا التأثر للنص الديني بثقافة العصر قد غفل عنه أتباع القراءة التقليدية، وبعبارة أخرى إنّ القراءة التقليدية لاترى «البعد التاريخي للنص»([5]).
3 ـ إنّ أحد القبليات في القراءة التقليدية هو أنّ الدين يمثّل مجموعة معلومات ومعارف نزلت من الله تعالى وينبغي إدارة النظام الاجتماعي والمجتمعات للبشرية في جميع العصور والحقب الزمنية على أساس هذه التعاليم([6]).
إنّ الفهم الديني التقليدي يرى لزوم تطبيق مطلق النص على مطلق الواقع([7])، أي أنّ سلطة النص الديني حاكمة على جميع الأوضاع والظروف الاجتماعية وأنّ محتوى النصوص الدينية لا يختص بوضع اجتماعي معين، على سبيل المثال يريد هؤلاء تطبيق الحدود والأحكام الإلهية في جميع المجتمعات البشرية ولا يرون الأوضاع والعلاقات الاجتماعية «الواقع» مانعاً في طريق تحكيم سلطة النص «تطبيق الشريعة»، وهذه المسبوقة الفكرية التي تقتضي لزوم صياغة الأمور الاجتماعية على أساس التعاليم الواردة في النصوص الدينية، وقعت مورد النقد والمناقشة لهذه الطائفة من المتجددين الإسلاميين.
4 ـ إنّ القراءة التقليدية للدين تريد، من خلال التمسك بالاجتهاد في الفروع، تطبيق الإسلام مع مقتضيات العالم المعاصر الذي يختلف اختلافاً فاحشاً عن عصر نزول الوحي والعصور القريبة منه، فى حين أنّ الإنسان المعاصر والمتغيرات التي يعيشها في روابطه الاجتماعية تختلف بشكل أساسي عن الإنسان وروابطه الاجتماعية في الماضي، وهذا يستدعي الاجتهاد في الأصول فضلاً عن الفروع وإعادة النظر في الكثير من المسبوقات والمباني الفكرية للقراءة التقليدية([8]).
5 ـ إنّ القراءة التقليدية تكتفي في منهجيتها بفهم النصوص الدينية بآليات الدلالة اللفظية بحسب، وتغفل عن دور القبليات الفكرية في حصول المعرفة الدينية، ومن هذه الجهة فإنّها لا تتحرك على مستوى تنقيح وتهذيب المفروضات والقبليات لهذه المعرفة، إنّ القراءة التقليدية تهتم بتجنب الوقوع في مصيدة التفسير بالرأي وتغفل عن أنّ جميع التفاسير والفهوم هي نوع من التفسير بالرأي ولا يمكن فهم النص بدون التفسير بالرأي([9]).
6 ـ يجب تجديد النظر بشكل نقدي للتفاسير الكلاسيكية للنصوص الدينية للمسلمين، فهذه التفاسير تمّ تأليفها على أساس المفاهيم والمسبوقات الفكرية للمفسّرين في عصرهم وزمانهم، ومن هنا جاءت ضرورة نقد هذه التفاسير، فالقراءة التقليدية غريبة عن البحوث العصرية في علم الألسنة والهرمنيوطيقا، ومن هذه الجهة لا يمكن الاعتماد عليها([10]).
وفي نظرة نقدية للفكر الديني الكلاسيكي فإنّ هذه الطائفة من المتجددين لا تنحو منحاً واحداً، مثلاً «محمد أرگون» الذي يعتقد أنّ التفسير الكلاسيكي الإسلامي غريب وأجنبي عن النظريات الجديدة في قراءة النص وعلم الهرمنيوطيقا، فإنّه في ذات الوقت يهتم بشكل جاد بمسألة تاريخية هذه التفاسير والتأويلات في المعارف القرآنية، فمضافاً إلى أنّه يرى أنّ النص الديني ظاهرة تاريخية ومتأثر بثقافة ذلك العصر، فإنّه يرى العقل نسبياً وتاريخياً، وأنّ مفهوم العقل مقيد بالظروف الزمانية والأوضاع التاريخية، ومع تغير العصر والظروف فإنّ العقل يتغير أيضاً، وعلى هذا الأساس فالعقل الذي دعا إليه القرآن هو ما كان حاكماً على ثقافة ذلك الزمان والذي يجب فهم القرآن في فضاءاته، يختلف عن العقل بعد دخول الفلسفة والمنطق اليونانيين إلى أفق المعرفة الذهنية للمفسرين المسلمين ويختلف عن العقل السائد في هذا العصر([11]).
إنّ «اركون» ينطلق من موقع فهم النصوص الدينية في فضاء العقلانية الحاكمة في زمان صدور النص لا من خلال فرض عقلانية المفسر على النص، ويعتقد أركون أنّه لا ينبغي اسقاط المقولات المرتبطة بالأزمنة الأخرى «عقلانية المفسر» على مضمون المتن([12]).
إنّ نظرة «أركون» إلى هذه المسألة متأثرة بشكل مباشر بالبحوث والدراسات الفيولوجية لـ «ميشل فوكو» وقلّما نجدها تنحو باتجاه الهرمنيوطيقا الفلسفية، في حين أنّ قراءة نصر حامد أبوزيد متأثرة أكثر بالهرمنيوطيقا، فالدكتور أبوزيد رغم أنّه يرى أنّ التفسير والتأويل يتأثران دائماً بثقافة المفسر وأنّ التفسير بالرأي والتفسير الخالص من الروسبات الذهنية لا وجود له في العالم، فإنّه مع ذلك يتصدى بشدّة لعملية التفسير الايديولوجي للنصوص الدينية ويعتقد بأنّ الخطاب الديني المعاصر لدى المسلمين مؤدلج بشكل كبير، ومن هذه الجهة فإنّ القراءة للدين ستكون ملونة ومصبوغة بصبغة الأغراض بدلاً من «التأويل».
ويرى «أبوزيد» أنّ مشكلة الفكر الديني تتلخص في أنّ الخطاب الديني مع اعتماده على مسبوقات خاصة بالنسبة لله والإنسان، يسعى لتوفيق النصوص الدينية مع هذه المسبوقات ويجعل النص ناطقاً بهذه المسبوقات، وبعبارة أخرى أنّه يأخذ معنى ومضمون النص من خارج النص، فالفكر الديني يضفي على المعاني والمفاهيم البشرية والتاريخية طابع الميتافريقيا ويرتفع به إلى عالم الأبدية والسرمدية([13]).

التجديد المعاصر والهرمنيوطيقا الفلسفية:
بعد استعراض إجمالي لرؤى هذه المدرسة في دائرة التجديد الديني نستعرض أهم النقاط والاسس التي تعتمد عليها هذه المدرسة والتي تستوحي أفكارها من منتوجات ومكتسبات الهرمنيوطيقا الغربية المعاصرة وخاصة الهرمنيوطيقا الفلسفية لـ «جادامر»، من قبيل «تاريخية المتن والفهم» «تدخل المسبوقات في عملية الفهم» «تفكيك الأفق الذهني للمفسر عن أفق معنى النص» «التأكيد على دور الفاصلة الزمانية بين المفسر والنص» «لزوم إعادة النظر في مفهوم الفهم الصادق والحقيقي للنص وعدم إمكان الفهم العيني للنص» و«التدخل المتزامن للأفق الذهني للمفسر وأفق المعنى في للنص في تحصيل تأويل وتفسير النص».
هذه كلها من الأمور التي تبحث في علم الهرمنيوطيقا المعاصر بشكل تفصيلي وقد ألقت هذه البحوث والدراسات بظلالها على بحوث ودراسات المتجددين المعاصرين في حقول الفكر الديني ومن أجل تكميل هذا البحث عن المتجددين الدينيين المعاصرين نرى من المناسب عرض بحث اجمالي عن الهرمنيوطيقا الفلسفية التي تمثّل الدعامة النظرية لهؤلاء المفكّرين:
لقد شهد علم الهرمنيوطيقا في مساره التاريخي ظهور مناهج ومسارات واتجاهات مختلفة في هذا العلم، والهرمنيوطيقا الفلسفية تمثّل اتجاهاً جديداً في حركة الهرمنيوطيقا التاريخية والتي بدأت منذ أوائل القرن عشرين على يد الفيلسوف الألماني «مارتين هايدجر» واتسعت البحوث والدراسات في هذا الاتجاه بواسطة تلميذه «هانس جادامر».
لقد كان علم الهرمنيوطيقا قبل «هايدجر» يهدف إلى إرائة منهجية عامة لتفسير وفهم النص، ففي الهرمنيوطيقا الكلاسيكية ما قبل «شلاير ماخر» كان هدف المشتغلين بهذا العلم تحصيل واستخراج نظرية في باب تفسير النصوص، وفي هرمنيوطيقا الروماطيقية لـ «شلاير ماخر» و«ديلتاي» فإنّ نظرية الهرمنيوطيقا اتسعت أبعادها بشكل ملحوظ وتحولت من إرائة نظرية في باب فهم النص، الذي يمثّل فرعاً خاصاً من المعرفة «كالنصوص الحقوقية أو الفلسفية» إلى إرائة نظرية عامة في باب منهجية تفسير وفهم النصوص بواسطة «شلاير ماخر» ثم إرائة نظرية عامة بواسطة «ديلتاي» في باب منهجية فهم العلوم الإنسانية بشكل عام.
وفي بداية القرن العشرين عمل «هايدجر» على توسعة علم الهرمنيوطيقا ليشمل مساحات واسعة لأنّه يعتقد أنّ جميع التجارب والفهوم البشرية، (لا فقط فهم النص ولا فهم الأشخاص الآخرين الذي يعتبر فرعاً من العلوم الإنسانية)، تمتلك كلها خصوصية تأويلية وهرمنيوطيقية([14]).
وقد طرح «هايدجر» رؤية فلسفية في باب الفهم البشري بدون أن يقدّم منهجية جديدة لهذا الفهم وكيفية حصوله. وقد أكّد «هايدجر» كان على أنّ فهم الإنسان لكل شيء يمد بجذوره إلى الانساق والبنى الفكرية، وهذه البنى تستوحي مقوماتها من المسبوقات الفكرية والميول النفسانية للإنسان.
والنقطة المركزية للهرمنيوطيقا الفلسفية تتمثّل في نفي وانكار الموضوعية والعينية، لأنّ «هايدجر» يعتقد أنّ الفهم والتفسير لا يمكن أن يحصل بذهن حيادي وغير مشوب، فمفسر النص أو العالم بالعلوم الاجتماعية وكل شخص يبادر لفهم شيء معين فإنّه يرتبط مع هذا الموضوع مورد النظر من خلال أرضية التراث (Tradition) وبذلك تحصل عملية الفهم (Understanding) من خلال هذه الأرضية للقبليات الذهنية عن ذلك الموضوع أو الشيء([15]).
ويرى «هايدجر» أنّ الهرمنيوطيقا بمثابة برنامج فلسفي، وهذا البرنامج ينظر لمقولة التفسير والفهم كموضوع([16])، إنّ هدف الهرمنيوطيقا الفلسفية لـ «هايدجر» إلقاء نظرة فلسفية وظاهراتية «فينومنولوجيا» لمقولة الفهم ومن ثمّة دراسة ماهية الفهم والظروف الوجودية لتحقيقه ولا يقتصر ذلك على فهم النص أو العلوم الإنسانية الأخرى.
وقد استمر بعض تلامذة «هايدجر» وخاصة «جادامر» في تحليل ودراسة تعليمات هايدجر في مجال الفهم والتأويل، ومن خلال تفعيل هذه المباني الفلسفية ظهرت نظريات واتجاهات جديدة في أمر الفهم البشري بشكل عام وفهم النص بشكل خاص.
إنّ أهم معطيات هرمنيوطيقا «جادامر» أو بعبارة أدق، الهرمنيوطيقا الفلسفية كالتالي:
1 ـ خلافاً للهرمنيوطيقا الكلاسيكية والرومانطيقية، فإنّ الهدف من فهم وتفسير النص ليس هو الوصول لمعرفة قصد ونيّة المؤلف، وعلى هذا الأساس لا ينبغي في عملية التفسير السعي للتماهي مع المؤلف والتحرك لمعرفة قصده ومراده، وبعبارة أخرى فإنّ النص مستقل عن المؤلف رغم أنّه يمثّل منتوجه ومخلوقه، فالمؤلف حاله حال الآخرين من قرّاء النص، وقراءته للنص لا تمتاز بأي شيء على القراءات الأخرى.
2 ـ إنّ فهم وتفسير النص يملك خصلة ديالوكية (حوارية) الديالوك الواقع بين المفسر والنص، وترى الهرمنيوطيقا الفلسفية أن هذه الرؤية المعرفية التقليدية التي يكون فيها المفسر ناظراً للنص بحيث يكون النص موضوعاً لعمل المعرفة بشكل «اوبجكتيف»، غير مقبولة، فمفسر النص ليس حيادياً في نظرته وقراءته للنص وفي استخراجه المعنى الكامل من النص بحيث يتعامل مع النص بشكل منفعل، بل إنّ ذهن المفسر يتدخل في عملية التفسير وله دور أساس في فهم النص الذي يمثّل محصولاً مشتركاً في عملية حوارية بين المفسر والنص([17]).
3 ـ إنّ فهم أي شيء مسبوق بالأسئلة التي تثور في أذهاننا، ومعنى «فهم الشيء» عبارة عن عملية ارتباط بيننا وبين ذلك الشيء، وبهذه الطريقة نحن نتحرك من أجل العثور على أجوبة مقنعة لأسئلتنا، إنّ كل فهم حتى فهمنا لأنفسنا (Self undertanding) ينبع من الأسئلة التي ترسم، في مرحلة سابقة، الأبعاد والمسارات للفهم، فالنص لا يفصح عن نفسه إلاّ إذا طرحنا عليه أسئلة معاصرة، فلو أنّ النص لم يستجب لأسئلة خاصة فلا يوجد فهم ولا تفسير لهذا النص.
إنّ تدخل الأسئلة في فهم النص شاهد على هذا المدعى وهو أنّ الفهم يمثّل علاقة حوارية متقابلة بين المفسر والنص([18]).
4 ـ إنّ الفهم  يتشكل دائماً في اُفق المعنى (Horizon) للمفسر، والمفسر في وضعه التاريخي يملك أرضية لظهور ولادة معنى خاص ناشيء من المسبوقات والميول والأسئلة التي تدور في ذهنه، فالمفسر لا ينفصل اطلاقاً عن أرضية المعنى، بل يتحرك على مستوى تغذية هذا الفهم من خلال إيجاد ديالوك مع النص، وعلى هذا الأساس فإنّ تفسير النص يكون دائماً مقيداً ومرتبطاً بأرضية الفهم الخاص للمفسر، وبذلك يتبيّن بطلان الهرمنيوطيقا الكلاسيكية التي ترى أنّ المفسّر يقف على الحياد في قراءته للنص ولا يتدخل في فهم النص.
وطبقاً لهذه الرؤية فإنّه لا يمكن أن يوجد فهم خالص للنص وغير مشوب، لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يتخلص وينقطع من اُفق المعنى فيه، ولهذا السبب فإنّ الفهم السابق، سواء النص الكلاسيكي أو الأثر الفني أو الحوادث التاريخية، لا يمكن أن يكون خالصاً من الشوائب بل يقترن دائماً بمؤثرات الزمان الحالي([19]).
5 ـ إنّ فهم النص بلحاظ تاريخي مشروط ومقيد، لأنّ اُفق المعنى للمفسر يتدخل في فهم النص، واُفق المعنى للمفسر يتشكل في داخل إطار التراث التاريخي (Tradition)، وبما أنّ اُفق المعنى والتراث ليسا أمراً ثابتاً وعلى حدّ تعبير «جادامر» نحن نتحرك في داخل هذا الاُفق، وهذا الاُفق بدوره يتحرك معنا، إذن فظروف الفهم باللحاظ التاريخي متحولة ومتغيرة، وطريقة المفسر وبعض العناصر الأخرى تتدخل في اُفق المعنى له، وربّما يتوجه إليه  عنصر النقد في زمان لاحق.
وهذا الأمر يوجب أن يكون كل تفسير ناقصاً بالضرورة وغير كامل، فكل تفسير مؤقت بالضرورة، لأنّه يرتبط بأوضاع تاريخية خاصة وبمسبوقات ودوافع وتوقعات معينة، وهذه التوقعات والروابط بدورها تؤثر في مجمل عملية التفسير وتعمل على تغيير واصلاح وتعديل الفهم المستوحى من النص.
6 ـ إنّ الفاصلة التاريخية بين النص والمفسر تؤدي إلى عدم إمكانية الفهم الموضوعي للنص، فالقدماء كانوا يتصورون أنّ هذه الفاصلة يمكن ترميمها من خلال التماهي مع ذهنية المؤلف، ولكن على أساس هرمنيوطيقا جادامر فإنّه يمكن فقط مزج اُفق المفسر مع اُفق النص، وهذا المزج والاقتران لا يعني التوصل لاُفق معنى النص بشكل كامل، لأنّه مع الأخذ بنظر الاعتبار تاريخية الفهم فإنّ فهمنا يتأثر دائماً بالعوامل التاريخية ومشروط بهذه المؤثرات واُفق المعنى الذي نعيشه ولذلك لا يمكننا بشكل كامل توضيح موقعنا الهرمنيوطيقي ولا يمكننا بشكل كامل تنقيح قبلياتنا الفكرية، إذن فلا يمكننا أبداً الاطمئنان إلى موضوعية فهمنا وتفسيرنا لأنّ هذا الفهم متأثر دائماً بعنصر سوبجكتيف «ذهنية المفسّر» وعلى تعبير غادامر إنّ الأحكام المسبقة للفرد أكثر من أحكامه اللاحقة، وهذه الأحكام المسبقة هي التي تصنع الواقع التاريخي لوجود الشخص([20]).
7 ـ على أساس الهرمنيوطيقا الفلسفية التي ترى أن الفهم متأثر بشكل مباشر بالمكانة الهرمنيوطيقة والتاريخية للمفسّر فلا يمكن الحديث بعد ذلك عن التقدم في التفسير (Prigress) ولا يمكن بعد الآن أن ندعي أننا نفهم النص أفضل من الآخرين، لأنّ كل مفسّر، مع الأخذ بنظر الاعتبار أرضية المعنى له، يحصل على فهم خاص للنص، وكما يقول «غادامر» أنّه يمكن القول فقط أننا نفهم النص بشكل مختلف عن الآخرين لا أنّ فهمنا أفضل من الآخرين حتماً([21]).
8 ـ وهناك سؤال أساسي في باب الهرمنيوطيقا الفلسفية وهو: كيف يمكننا مع وجود قبليات متناسبة، الدخول لدائرة فهم الأشياء (أعم من النص) بحيث تتمكن الأشياء والموضوعات أن تتحدث عن نفسها وتفصح عن باطنها؟ وما هو المعيار الذي يمكننا من خلاله تمييز القبليات الصحيحة من السقيمة؟
إنّ «غادامر» لا يقدّم معياراً مناسباً لعملية التمييز هذه بل يكتفي بالإشارة إلى هذه النقطة وهي أنّ الفاصلة الزمنية فقط هي التي تحلّ مشكلة النقد الهرمنيوطيقي، وهذه المشكلة تتلخص في كيفية التمييز بين الأحكام والفهوم ومعرفة الأحكام المسبقة الصادقة «المسبوقات الذهنية التي يتشكل منها فهمنا» من الأحكام الباطلة والخاطئة «التي بسببها نواجه الخطأ وسوء الفهم» إذن فنحن بأنفسنا لا نتمكن من الحكم بين التفاسير المتنوعة والمتولدة من النص في وقت واحد وأيّا منها يقوم على مقدمات ومسبوقات خاطئة.
وبالرغم من أننا أشرنا في هذه النقاط الثمانية إلى بعض البحوث الموجودة في الهرمنيوطيقيا المعاصرة ولكن يكفي أن ندرك مدى الارتباط الوثيق بين بحوث علم الهرمنيوطيقا والمقولات الجديدة للمتجددين الدينيين.

رسالة الحوزة:
إنّ ثقافتنا الدينية تتمحور بشدّة حول «النص» فنصوص القرآن والسنّة مترسخة في أعماق الحياة الثقافية للمسلمين والمعارف الدينية للمسلمين متأثرة بشكل مباشر بالنصوص الدينية، والعلوم المتداولة في الحوزات العلمية، أي الفقه والأصول والكلام والتفسير، تتشكل على أساس مراجعة النصوص الدينية وفهمها وتفسيرها، وحتى علم الكلام الذي يعتمد في الكثير من مسائله على العلوم العقلية لا يجد بدّاً من لزوم الانسجام والتلائم مع النصوص الدينية وبذلك يتحرك بجدية لإيجاد التوافق والتناسب بين معطيات العقل والنقل.
وفي مثل هذه الأجواء فإنّ الحديث عن إلقاء نظرة جديدة ونقدية على النصوص الدينية والتفاسير الإسلامية التي تعتبر أساس التراث الديني والفكري للمسلمين، يعدّ ثورة منهجية وراديكالية في مجال المعرفة الدينية، ولا مراء في أنّ هذه الرؤية الحداثية للمتجددين الدينيين ستواجه إشكاليات ومطبات كثيرة في مواجهتها للفكر الديني التقليدي والذي تعتبر الحوزات العلمية الناطق الرسمي لهذا النمط من الفكر الديني، إنّ الفهم العميق لهذه الإشكالية يتناسب بشكل مباشر مع فهمنا لأبعاد هذا الاتجاه التجديدي للفكر الديني ومن ثمّ معرفة القاعدة الفكرية لهذا المنهج في الغرب.
الحقيقة أنّ الهرمنيوطيقا المعاصرة وبتبعها هذا الاتجاه في التجديد الديني وضعت نظرية تفسير النصوص السائدة والمقبولة في الحوزات العلمية على مشرحة النقد العلمي، وهذا الأمر يستدعي من الحوزات العلمية أن تتحرك على مستوى إعادة النظر في النظريات التفسيرية وتنقيحها.
إنّ أكثر العلوم الدينية في الحوزة العلمية من الكلام والتفسير إلى الفقه والتاريخ والسيرة، كلها بحاجة لتنقيح «نظرية تفسير النص»، ومن بين هذه العلوم لا نرى بحث جدياً في «نظرية التفسير» سوى ما ورد في مقدمات الفقه «علم الأصول» وكذلك في مقدمات علم التفسير بدرجة ضعيفة.
ويعتبر علم الأصول، كما يشهد بذلك حتى من يملك معرفة قليلة بفروع العلوم الإسلامية المختلفة، من جملة العلوم التي نمت وترعرعت بشكل ملحوظ، فلو نظرنا لعلم الأصول على أساس أنّه علم آلي ويستخدم كوسيلة وأداة لعلم الفقه، فإنّ الكثير من المحققين يرون أنّ هذا النمو والرشد في علم الأصول يعتبر أمراً زائداً وغير ضروري، ولكن إذا نظرنا من بُعد أوسع وأنّ علم الأصول يتكفل تنقيح مباني الاجتهاد ونظرية فهم وتفسير النصوص المقدّسة فإنّ حجم مسائل علم الأصول يجب أن يكون أكثر ممّا هو موجود بكثير، إنّ الهرمنيوطيقا المعاصرة، ومع طرحها للبحوث التي تتصل بفهم النص، قد جعلت نظرية الفقهاء والمفسرين والأصوليين المسلمين هدفاً وغرضاً لها، وكما أنّ دراسة الشبهات والاحتمالات والتفاصيل الجزئية في البحوث الأصولية المتداولة أدى إلى ترشيد وتقوية هذه البحوث، فإنّ دراسة النظريات التفسيرية في علم الهرمنيوطيقا المعاصرة ونقد المباني والأصول التقليدية الحاكمة على فهم النص يؤدي بدوره إلى ترشيد وتعميق بحوث علم الأصول أيضاً.
إنّ التحليل العميق لماهية وحقيقة فهم وتفسير النصوص ودراسة دور المسبوقات الذهنية في عملية الفهم، والمعايير والأصول الحاكمة على الفهم الموضوعي والاستدلال على إمكانية تحصيل الفهم الموضوعي المعتبر، ودراسة دور الثقافة والملابسات والظروف التاريخية في تشكيل وظهور معنى النص، هذه كلها من البحوث التي تحتاج إلى الدقة والتعمق من قِبل علماء الأصول في حوزاتنا العلمية.
إنّ الشبهات والإشكالات الهرمنيوطيقية المعاصرة في مقولة فهم النص، وإن لم تكن ناظرة فقط للفهم الفقهي للنصوص الدينية، وأنّما تستوعب، مضافاً إلى الفقهاء، عمل المتكلّمين والمفسرين للقرآن الكريم ومن هذه الجهة فإنّ هذا الكلام ينبغي أن يبحث أيضاً في مقدمات التفسير وكذلك مقدمات علم الكلام، ولكن بما أنّ علم الأصول يملك الأرضية اللازمة في مواضيعه وبحوثه لاستيعاب هذه المقولات العلمية، فهذا العلم أفضل فروع المعارف الإسلامية لدراسة وطرح هذه المسائل والبحوث.
والشرط اللازم لتحقيق هذا الهدف هو إمتلاك فهم عميق وعلمي لبحوث الهرمنيوطيقا والدراسات الأخرى التي تتصل بعلم الألسنيات من قبيل علم المعاني، فلسفة اللغة، علم الدلالات وأمثال ذلك، ومادام هذا الهدف لم يتحقق وهذه البحوث والمواضيع لم تدخل أجواء الدراسات العلمية للحوزة فلا أمل بالحصول على نتيجة مطلوبة وسوف يبقى الخطر يهدد الفكر الديني وخاصة في الحوزة حيث يقوم بعض المخالفين للنظام الفكري السائد في الحوزات العلمية ومن خلال أساليب المغالطة والتشويش بوضع العقبات أمام الحركة العلمية للحوزة، بحيث يطرحون هذه المسألة وهي أنّ عدم وجود هذه البحوث والدراسات في العلوم الحوزوية يعتبر شاهداً على ضعف المنهج العلمي لعلماء الدين في تفسير النصوص الدينية من الآيات والروايات وبالتالي يتحركون على مستوى التشكيك في مباني فهم النصوص وتضعيف المعارف الدينية.
*    *    *


[1] ـ محقق ومدرس في الجامعة ومعاون التحقيقات في الحوزة العلمية في قم.
[2] ـ يقول الدكتور علي شريعتي في كتابه: «إقبال معمار تجديد الفكر الإسلامي»: «إنّ المجتمع الإسلامي الذي يعيش الجمود والتحجر بحاجة الآن وأكثر مما سبق إلى مثل هؤلاء المصلحين (مثل لوثر وكالون) ص88.
[3] ـ يقول الدكتور شريعتي: «لا وجود في الإسلام للاصلاح الديني بمعنى إعادة النظر في أصل الدين بل العودة للإسلام الحقيقي والأصيل ومعرفة روح الإسلام الواقعية في العصر الأول» الأمّة والإمامة،ص9.
[4] ـ انظر: مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، نصر حامد أبوزيد، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1994، ص 10 ـ 12.
[5] ـ من بين المتجددين الدينيين نرى أنّ نصر حامد أبو زيد بذل اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع وقد أشار إليه في كتابه «مفهوم النص» و«نقد الخطاب الديني».
وقد تحدث عن هذا الموضوع أيضاً «محمد أرگون»  وطرح مسألة الظروف التاريخية واللغة والثقافة التي أحاطت بالوحي (انظر: الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد، دار الساقي، بيروت، الطبعة الثانية، 1992، ص 77 ـ 78).
[6] ـ مجمد مجتهد شبستري، مجلة كيان، العدد 45، السنة الثامنة، 1998 ـ 14.
[7] ـ مفهوم النص، ص 15.
[8] ـ يقول محمد مجتهد الشبستري  في هذا الباب: «إنّ النبي الأكرم إنسان بعث في ظروف تاريخية خاصة وأظهر اُفقاً معنوياً خاصاً، وفي هذه الرؤية للدين يتمّ عرض تصورات جديدة عن الله، النبي، الوحي، الإيمان و... فما تقدّم ذكره يمثّل نوعاً من الاجتهاد في الأصول التي يؤثر بدوره على منهجية الاجتهاد في الفروع ويعمل على تغييرها... وهذا الفهم الجديد يتيح للمسلم التطابق مع واقع الحياة المعاصرة وما تتضمن من متغيرات في البنى الاجتماعية» (مجلة كيان، العدد، 45، ص 14).
ويقول الدكتور سروش أيضاً ضمن تأييده لضرورة الاجتهاد في الأصول وعدم كفاية الاجتهاد في الفروع: «ما لم نتحرك على مستوى تجديد النظر في المباديء والأصول، وما لم نغير من رؤيتنا للمجتمع الجديد وندرك الاختلاف الأساسي مع المجتمعات القديمة، فإنّ شجرة الفقه ستظلّ تثمر تلك الثمار القديمة، أي أن تسيطر المظاهر المحضة على أجواء الفقه» (المصدر السابق، العدد 45، ص 35).
أمّا نصر حامد أبوزيد فإنّه ينتقد منهجية البحوث الدينية المعاصرة التي تقوم على أساس الاجتهاد في الفروع فقط ولا تتحدث عن الاجتهاد في الأصول، (انظر: نقد الخطاب الديني، ص 98 ـ 99).
[9] ـ ويؤكد نصر حامد أبوزيد على أنّ الاُفق الذهني لقارىء النص «أي المفسر» يؤثر في رؤيته للنص من هذه الزاوية وبذلك لا يمكن أن تكون القراءة محايدة تماماً، ويفرّق أبوزيد بين القراءة الايديولوجية للنص التي يعتبرها قراءة مغرضة و«تلوينية» وبين القراءة المتأثرة بعامل اُفق المعنى لقاريء النص. (المصدر السابق، ص 114 ـ 115).
ويؤكد الدكتور سروش في مقالة «التفسير المتين للنص» على ضرورة التفسير بالرأي في مطلق قراءة النصوص (انظر: بسط التجربة النبوية، مؤسسة ثقافية صراط، 1999، ص 301 ـ 321.
[10] ـ ويشير محمد اركون في مواضع عديدة من كتاباته إلى هذه الحالة من الاستلاب والاستغراب ويقرر أنّه إذا تمّ الاهتمام بهذه النظريات الجديدة فسوف نجد أنفسنا مضطرين لتجديد النظر في الكثير من العقائد الموروثة، (انظر: الإسلام، أروبا، الغرب، دار الساقي، بيروت، 1995، ص192 ـ 196، الفكر الإسلامي، نقد الاجتهاد، ص 94).
[11] ـ الإسلام، أوربا، الغرب، ص 189 ـ 190.
[12] ـ تاريخية الفكر العربي الإسلامي، محمد أركون، منشورات مركز الانماء القومي، بيروت 1886، ص 17 ـ 18.
[13] ـ نقد الخطاب الديني، ص 78 و 190.
 1 - Hermenetics and modern philosphy, state university ofNew york press 1986, p 147.     
 2 - Bleicher, Jowef Contemporary Hermeneutics. Routledgeand Kegan Paul 1980, P 2.
 1 - eing and Time, translated Jihn mae quarrie and EdwardRodinson, pp 61.62.
 1 - Waenke Georegia, Gadamer hermeneutics Tradition andReasson polity press, 1987, p 100.
 1 - Grondin jean,Lintroductino To PhilosophicalHermeneutics,Yaleniversitry press,1994,pp116. 117.
 1 -The Hermeneutics Reader, edited by kurt volmer, Basilblsck well, p 38.
1 - Gadamer hans beorge, Truth method, 1994, pp 299 - 301.
ومن المعضلات الفكرية لهرمنيوطيقا غادامر عدم وجود حل لتنقيح وتهذيب المسبوقات الفكرية، فقد تحرك غادامر من جهة للقول بأنّ جميع الفهوم متأثرة بعامل المسبوقات، ومن جهة أخرى يقول بالتميز بين المسبوقات المولدة «productive» وغير المولدة، فالمسبوقات غير المولدة هي الأمور التي فرضت نفسها على النص وصارت مانعة من تحدّث النص وأدّت إلى إيجاد خلل في عملية الحوار والديالوك الطبيعي بين المفسر والنص، ومع ذلك فإنّ «غادامر» لا يقدم أي معيار وضابطة للتمييز بين هاتين الطائفتين من المسبوقات.
1 - Introduction tophilosophical hermrneutics, p 116.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق